المبحث الثاني عشر
أوجه الاختلاف بين عمل الملائكة وعمل الشياطين
الوجه الأول: الملائكة يسبحون بحمد ربهم، ويستغفرون لمن في الأرض، فهم أنصح الخلق لبني آدم، والشيطان أغشُّ الخلق لبني آدم لأن الشيطان تعهد بإضلال بني آدم، وإغوائهم وإهلاكهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً،قال عزّ وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
الوجه الثاني: والملائكة تأمر العباد بالخير، والشياطين تحثهم على الشر، وتأمرهم به، {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. فالذي يعرض عن القرآن الكريم يعاقبه الله سبحانه، بأن يقيض له شيطانًا يكون قرينًا له. قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ، حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 37، 38]. ولا يعصم الإنسان من الشيطان إلا ذكر الله فعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لاِبْنِ آدَمَ بِطَرِيقِ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ : تَسْلَمُ وَتَذَرُ دِينَكَ ، وَدِينَ آبَائِكَ ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ فَغَفَرَ لَهُ ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ ، فَقَالَ لَهُ : تُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ ، وَسَمَاءَكَ ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ ، فَقَالَ لَهُ : تُجَاهِدُ وَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ ، وَالْمَالِ ، فَتُقَاتِلُ فَتَقْتُلُ ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ ، فَعَصَاهُ فَجَاهِدَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَمَاتَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّةٌ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةُ." "
الوجه الثالث: أن ذكر الله يطرد الشياطين عن الإنسان ويحضر الملائكة عنده.
ولذلك سُمِّيَ الشيطان بالوسواس الخنّاس، فإذا ترك الإنسان ذِكْرَ الله جاءه الشيطان، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قَالَ : الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ .
وإذا ذكر الله حفّت به الملائكة فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتَذَاكَرُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ أَظَلَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِى بِهِ الْعِلْمَ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقاً مِنَ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ. . جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود