العقيدة الصحيحة وما يضادها
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


السلام عليكم :لايتبنى صاحب الموقع أبو عبد الله هذه الإعلانات التي تظهر في أعلى أو أسفل المنتدى ،كما أنصح زوار موقعي بعدم مشاهدتها أو نشرها بأي وجه من الوجوه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفضيل الملائكة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو عبد الله
Admin



المساهمات : 108
تاريخ التسجيل : 07/09/2009

تفضيل الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: تفضيل الملائكة   تفضيل الملائكة I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 09, 2009 4:22 pm

المبحث العاشر
تفضيل الملائكة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي ، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.
قال النووي رحمه الله : " قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْر مِنْهُمْ } هَذَا مِمَّا اِسْتَدَلَّتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَة وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى تَفْضِيل الْمَلَائِكَة عَلَى الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء، فَالتَّقْيِيد بِالْكَثِيرِ اِحْتِرَاز مِنَ الْمَلَائِكَة ، وَمَذْهَب أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاء أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي بَنِي إِسْرَائِيل : {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} (16) سورة الجاثية، وَالْمَلَائِكَة مِنَ الْعَالَمِينَ . وَيُتَأَوَّل هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الذَّاكِرِينَ غَالِبًا يَكُونُونَ طَائِفَة لَا نَبِيّ فِيهِمْ ، فَإِذَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي خَلَائِق مِنَ الْمَلَائِكَة ، كَانُوا خَيْرًا مِنْ تِلْكَ الطَّائِفَة ."
وقال العيني : " بل الجمهور على تفضيل البشر وفيه الخلاف المشهور بين أهل السنة والمعتزلة وأصحابنا الحنفية فصَّلوا في هذا تفصيلا حسنا وهو أن خواص بني آدم أفضل من خواص الملائكة وعوام بني آدم أفضل من عوامهم ،وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم ،واستدلالهم بهذا الحديث على تفضيل الملائكة على بني آدم لا يتمُّ، لأنه يحتمل أن يراد بالملأ الخير الأنبياء أو أهل الفراديس.."
وقال الحافظ ابن حجر : " ( ذَكَرْته فِي مَلَأ خَيْر مِنْهُمْ ) قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : يُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الذِّكْر الْخَفِيّ أَفْضَل مِنَ الذِّكْر الْجَهْرِيّ وَالتَّقْدِير : إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسه ذَكَرْته بِثَوَابٍ لَا أُطْلِعُ عَلَيْهِ أَحَدًا وَإِنْ ذَكَرَنِي جَهْرًا ذَكَرْته بِثَوَابٍ أُطْلِع عَلَيْهِ الْمَلَأ الْأَعْلَى.
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا نَصّ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَة أَفْضَلُ مِنْ بَنِي آدَم وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور أَهْل الْعِلْم، وَعَلَى ذَلِكَ شَوَاهِد مِنَ الْقُرْآن مِثْل: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} (20) سورة الأعراف، وَالْخَالِد أَفْضَل مِنَ الْفَانِي فَالْمَلَائِكَة أَفْضَل مِنْ بَنِي آدَم".
وَتُعُقِّبََ بِأَنَّ الْمَعْرُوف عَنْ جُمْهُور أَهْل السُّنَّة أَنَّ صَالِحِي بَنِي آدَم أَفْضَلُ مِنْ سَائِر الْأَجْنَاس ،وَاَلَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى تَفْضِيل الْمَلَائِكَة الْفَلَاسِفَة ثُمَّ الْمُعْتَزِلَة وَقَلِيلٌ مِنْ أَهْل السُّنَّة مِنْ أَهْل التَّصَوُّف وَبَعْض أَهْل الظَّاهِر ،فَمِنْهُمْ مَنْ فَاضَلَ بَيْن الْجِنْسَيْنِ، فَقَالُوا :حَقِيقَة الْمَلَك أَفْضَل مِنْ حَقِيقَة الْإِنْسَان ؛ لِأَنَّهَا نُورَانِيَّة وَخَيِّرَة وَلَطِيفَة مَعَ سَعَة الْعِلْم وَالْقُوَّة وَصَفَاء الْجَوْهَر، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِم تَفْضِيل كُلّ فَرْد عَلَى كُلّ فَرْد لِجَوَازِ أَنْ يَكُون فِي بَعْض الْأَنَاسِيّ مَا فِي ذَلِكَ وَزِيَادَة ،وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْخِلَاف بِصَالِحِي الْبَشَر وَالْمَلَائِكَة، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالْأَنْبِيَاءِ ،ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَة عَلَى غَيْر الْأَنْبِيَاء، وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَلَّهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاء أَيْضًا إِلَّا عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد  ، وَمِنْ أَدِلَّة تَفْضِيل النَّبِيّ عَلَى الْمَلَك أَنَّ اللَّه أَمَرَ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ لِآدَم عَلَى سَبِيل التَّكْرِيم لَهُ حَتَّى قَالَ إِبْلِيس {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} (62) سورة الإسراء، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى : {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} (75) سورة ص، لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَة إِلَى الْعِنَايَة بِهِ ،وَلَمْ يَثْبُت ذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (33) سورة آل عمران، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (13) سورة الجاثية، فَدَخَلَ فِي عُمُومه الْمَلَائِكَة ، وَالْمُسَخَّرُ لَهُ أَفْضَل مِنَ الْمُسَخَّر ؛ وَلِأَنَّ طَاعَة الْمَلَائِكَة بِأَصْلِ الْخِلْقَة وَطَاعَة الْبَشَر غَالِبًا مَعَ الْمُجَاهَدَة لِلنَّفْسِ لِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّهْوَة وَالْحِرْص وَالْهَوَى وَالْغَضَب ، فَكَانَتْ عِبَادَتهمْ أَشَقّ ، وَأَيْضًا فَطَاعَةُ الْمَلَائِكَة بِالْأَمْرِ الْوَارِد عَلَيْهِمْ وَطَاعَة الْبَشَر بِالنَّصِّ تَارَة وَبِالِاجْتِهَادِ تَارَة وَالِاسْتِنْبَاط تَارَة فَكَانَتْ أَشَقّ ؛ وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَة سَلِمَتْ مِنْ وَسْوَسَة الشَّيَاطِين وَإِلْقَاء الشُّبَه وَالْإِغْوَاء الْجَائِزَة عَلَى الْبَشَر ،وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَة تُشَاهِدُ حَقَائِق الْمَلَكُوت وَالْبَشَر لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِالْإِعْلَامِ ،فَلَا يَسْلَم مِنْهُمْ مِنْ إِدْخَال الشُّبْهَة مِنْ جِهَة تَدْبِير الْكَوَاكِب وَحَرَكَة الْأَفْلَاك إِلَّا الثَّابِت عَلَى دِينه ،وَلَا يَتِمّ ذَلِكَ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَة وَمُجَاهَدَات كَثِيرَة ، وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْآخَرِينَ فَقَدْ قِيلَ : إِنَّ حَدِيث الْبَاب أَقْوَى مَا اسْتُدِلَّ بِهِ لِذَلِكَ لِلتَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ فِيهِ فِي مَلَأ خَيْر مِنْهُمْ ،وَالْمُرَاد بِهِمُ الْمَلَائِكَة ، حَتَّى قَالَ بَعْض الْغُلَاة فِي ذَلِكَ : وَكَمْ مِنْ ذَاكِر لِلَّهِ فِي مَلَأ فِيهِمْ مُحَمَّد  ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي مَلَأ خَيْر مِنْهُمْ ، وَأَجَابَ بَعْض أَهْل السُّنَّة بِأَنَّ الْخَبَر الْمَذْكُور لَيْسَ نَصًّا وَلَا صَرِيحًا فِي الْمُرَاد ،بَلْ يَطْرُقهُ اِحْتِمَال أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْمَلَأِ الَّذِينَ هُمْ خَيْر مِنَ الْمَلَأ الذَّاكِر الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء، فَإِنَّهُمْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ فَلَمْ يَنْحَصِر ذَلِكَ فِي الْمَلَائِكَة ، وَأَجَابَ آخَر وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْأَوَّل بِأَنَّ الْخَيْرِيَّة إِنَّمَا حَصَلَتْ بِالذَّاكِرِ وَالْمَلَأ مَعًا ،فَالْجَانِب الَّذِي فِيهِ رَبّ الْعِزَّة خَيْر مِنَ الْجَانِب الَّذِي لَيْسَ هُوَ فِيهِ بِلَا اِرْتِيَاب، فَالْخَيْرِيَّة حَصَلَتْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوع ،وَهَذَا الْجَوَاب ظَهَرَ لِي وَظَنَنْت أَنَّهُ مُبْتَكَر . ثُمَّ رَأَيْته فِي كَلَام الْقَاضِي كَمَال الدِّين بْن الزَّمَلْكَانِيّ فِي الْجُزْء الَّذِي جَمَعَهُ فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى فَقَالَ : إِنَّ اللَّه قَابَلَ ذِكْر الْعَبْد فِي نَفْسه بِذِكْرِهِ لَهُ فِي نَفْسه ، وَقَابَلَ ذِكْر الْعَبْد فِي الْمَلَأ بِذِكْرِهِ لَهُ فِي الْمَلَأ فَإِنَّمَا صَارَ الذِّكْر فِي الْمَلَإِ الثَّانِي خَيْرًا مِنَ الذِّكْر فِي الْأَوَّل ؛ لِأَنَّ اللَّه وَهُوَ الذَّاكِر فِيهِمْ وَالْمَلَأ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ وَاَللَّه فِيهِمْ أَفْضَل مِنَ الْمَلَإِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ وَلَيْسَ اللَّه فِيهِمْ ، وَمِنْ أَدِلَّة الْمُعْتَزِلَة تَقْدِيم الْمَلَائِكَة فِي الذِّكْر فِي قَوْله تَعَالَى {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} (98) سورة البقرة، {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (18) سورة آل عمران، {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (75) سورة الحـج، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُجَرَّد التَّقْدِيم فِي الذِّكْر لَا يَسْتَلْزِم التَّفْضِيل ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِر فِيهِ بَلْ لَهُ أَسْبَاب أُخْرَى كَالتَّقْدِيمِ بِالزَّمَانِ فِي مِثْل قَوْله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (7) سورة الأحزاب، فَقَدَّمَ نُوحًا عَلَى إِبْرَاهِيم لِتَقَدُّمِ زَمَان نُوح مَعَ أَنَّ إِبْرَاهِيم أَفْضَل ،وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا} (172) سورة النساء، وَبَالَغَ الزَّمَخْشَرِيّ فَادَّعَى أَنَّ دَلَالَتهَا لِهَذَا الْمَطْلُوب قَطْعِيَّة بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِ الْمَعَانِي ،فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى : ( وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) أَيْ وَلَا مَنْ هُوَ أَعْلَى قَدْرًا مِنَ الْمَسِيح ، وَهُمُ الْمَلَائِكَة الْكَرُوبِيُّونَ الَّذِينَ حَوْل الْعَرْش ، كَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَإِسْرَافِيل ، قَالَ : وَلَا يَقْتَضِي عِلْم الْمَعَانِي غَيْر هَذَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْكَلَام إِنَّمَا سِيقَ لِلرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى لِغُلُوِّهِمْ فِي الْمَسِيح ، فَقِيلَ لَهُمْ : لَنْ يَتَرَفَّع فِيهِ الْمَسِيح عَنِ الْعُبُودِيَّة وَلَا مَنْ هُوَ أَرْفَع دَرَجَة مِنْهُ اِنْتَهَى مُلَخَّصًا ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَقِّي لَا يَسْتَلْزِم التَّفْضِيل الْمُتَنَازَع فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَب الْمَقَام ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَلَائِكَة وَالْمَسِيح عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْمَسِيح الَّذِي تُشَاهِدُونَهُ لَمْ يَتَكَبَّر عَنْ عِبَادَة اللَّه ، وَكَذَلِكَ مَنْ غَابَ عَنْكُمْ مِنَ الْمَلَائِكَة لَا يَتَكَبَّر ، وَالنُّفُوس لِمَا غَابَ عَنْهَا أَهَيْب مِمَّنْ تُشَاهِدهُ ؛ وَلِأَنَّ الصِّفَات الَّتِي عَبَدُوا الْمَسِيح لِأَجْلِهَا مِنَ الزُّهْد فِي الدُّنْيَا وَالِاطِّلَاع عَلَى الْمُغَيَّبَات وَإِحْيَاء الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه مَوْجُودَة فِي الْمَلَائِكَة ، فَإِنْ كَانَتْ تُوجِب عِبَادَته فَهِيَ مُوجِبَة لِعِبَادَتِهِمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ عِبَادَة اللَّه تَعَالَى ، وَلَا يَلْزَم مِنْ هَذَا التَّرَقِّي ثُبُوت الْأَفْضَلِيَّة الْمُتَنَازَع فِيهَا .
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : اِحْتَجَّ بِهَذَا الْعَطْف مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة أَفْضَل مِنَ الْأَنْبِيَاء ، وَقَالَ هِيَ مُسَاقَة لِلرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى فِي رَفْع الْمَسِيح عَنْ مَقَام الْعُبُودِيَّة ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ أَعْلَى دَرَجَة مِنْهُ حَتَّى يَكُون عَدَم اِسْتِنْكَافهمْ كَالدَّلِيلِ عَلَى عَدَم اِسْتِنْكَافه ، وَجَوَابه أَنَّ الْآيَة سِيقَتْ لِلرَّدِّ عَلَى عَبَدَة الْمَسِيح وَالْمَلَائِكَة ، فَأُرِيد بِالْعَطْفِ الْمُبَالَغَة بِاعْتِبَارِ الْكَثْرَة دُون التَّفْضِيل ، كَقَوْلِ الْقَائِل أَصْبَحَ الْأَمِير لَا يُخَالِفهُ رَئِيس وَلَا مَرْءُوس ، وَعَلَى تَقْدِير إِرَادَة التَّفْضِيل فَغَايَته تَفْضِيل الْمُقَرَّبِينَ مِمَّنْ حَوْل الْعَرْش ، بَلْ مَنْ هُوَ أَعْلَى رُتْبَة مِنْهُمْ عَلَى الْمَسِيح ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِم فَضْل أَحَد الْجِنْسَيْنِ عَلَى الْآخَر مُطْلَقًا .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : لَا تَتِمّ لَهُمْ الدَّلَالَة إِلَّا إِنْ سُلِّمَ أَنَّ الْآيَة سِيقَتْ لِلرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى فَقَطْ فَيَصِحُّ : لَنْ يَتَرَفَّع الْمَسِيح عَنِ الْعُبُودِيَّة وَلَا مَنْ هُوَ أَرْفَع مِنْهُ ، وَاَلَّذِي يَدَّعِي ذَلِكَ يَحْتَاج إِلَى إِثْبَات أَنَّ النَّصَارَى تَعْتَقِد تَفْضِيل الْمَلَائِكَة عَلَى الْمَسِيح ، وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ بَلْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِ الْإِلَهِيَّة فَلَا يَتِمّ اِسْتِدْلَال مَنْ اِسْتَدَلَّ بِهِ ، قَالَ وَسِيَاقه الْآيَة مِنْ أُسْلُوب التَّتْمِيم وَالْمُبَالَغَة لَا لِلتَّرَقِّي ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدَّمَ قَوْله (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) [النساء : 171] ) فَقَرَّرَ الْوَحْدَانِيَّة وَالْمَالِكِيَّة وَالْقُدْرَة التَّامَّة ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِنْكَاف ، فَالتَّقْدِير لَا يَسْتَحِقّ مَنِ اِتَّصَفَ بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَكْبِر عَلَيْهِ الَّذِي تَتَّخِذُونَهُ أَيّهَا النَّصَارَى إِلَهًا لِاعْتِقَادِكُمْ فِيهِ الْكَمَال وَلَا الْمَلَائِكَة الَّذِينَ اِتَّخَذَهَا غَيْركُمْ آلِهَة لِاعْتِقَادِهِمْ فِيهِمْ الْكَمَال .
قُلْت : وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيُّ مُلَخَّصًا ، وَلَفْظه لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ رَفْعًا لِمَقَامِهِمْ عَلَى مَقَام عِيسَى بَلْ رَدًّا عَلَى الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَة آلِهَة فَرَدَّ عَلَيْهِمْ كَمَا رَدَّ عَلَى النَّصَارَى الَّذِينَ يَدَّعُونَ التَّثْلِيث ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} (31) سورة هود، فَنَفَى أَنْ يَكُون مَلَكًا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ أَفْضَل ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ طَلَبُوا مِنْهُ الْخَزَائِن وَعِلْم الْغَيْب ؛ وَأَنْ يَكُون بِصِفَةِ الْمَلَك مِنْ تَرْك الْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع ، وَهُوَ مِنْ نَمَط إِنْكَارهمْ أَنْ يُرْسِل اللَّه بَشَرًا مِثْلهمْ فَنَفَى عَنْهُ أَنَّهُ مَلَك ، وَلَا يَسْتَلْزِم ذَلِكَ التَّفْضِيل ، وَمِنْهَا أَنَّهُ سُبْحَانه لَمَّا وَصَفَ جِبْرِيل وَمُحَمَّدًا ، قَالَ فِي جِبْرِيل {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (40) سورة الحاقة، وَقَالَ فِي حَقّ النَّبِيّ  {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ} (22) سورة التكوير، وَبَيْن الْوَصْفَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا سِيقَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي يَأْتِيه شَيْطَان فَكَانَ وَصْف جِبْرِيل بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلنَّبِيِّ  فَقَدْ وَصَفَ النَّبِيّ  فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمِثْلِ مَا وَصَفَ بِهِ جِبْرِيل هُنَا وَأَعْظَم مِنْهُ ، وَقَدْ أَفْرَطَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُوء الْأَدَب هُنَا ، وَقَالَ كَلَامًا يَسْتَلْزِم تَنْقِيص الْمَقَام الْمُحَمَّدِيّ ، وَبَالَغَ الْأَئِمَّة فِي الرَّدّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ زَلَّاته الشَّنِيعَة ."
وقَال ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ نَقْلاً عَنِ الزَّنْدُوسَتِيِّ : أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى أَنَّ الأَْنْبِيَاءَ أَفْضَل الْخَلِيقَةِ ، وَأَنَّ نَبِيَّنَا  أَفْضَلُهُمْ ، وَأَنَّ أَفْضَل الْخَلاَئِقِ بَعْدَ الأَْنْبِيَاءِ الْمَلاَئِكَةُ الأَْرْبَعَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالرُّوحَانِيُّونَ وَرِضْوَانُ وَمَالِكٌ ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَل مِنْ سَائِرِ الْمَلاَئِكَةِ .
وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَال الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ : سَائِرُ النَّاسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَل مِنْ سَائِرِ الْمَلاَئِكَةِ ، وَقَال مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ : سَائِرُ الْمَلاَئِكَةِ أَفْضَل .
وقال ابن تيمية رحمه الله : " وَاَللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا ثُمَّ عَلَّمَهُ فَنَقَلَهُ مِنْ حَالِ النَّقْصِ إلَى حَالِ الْكَمَالِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ قَدْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ قَبْلَ حَالِ الْكَمَالِ ، بَلِ الِاعْتِبَارُ بِحَالِ كَمَالِهِ ، وَيُونُسُ  وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي حَالِ النِّهَايَةِ حَالُهُمْ أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ .
وَمِنْ هُنَا غَلِطَ مِنْ غَلِطَ فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهُمْ اعْتَبَرُوا كَمَالَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ بِدَايَةِ الصَّالِحِينَ وَنَقْصِهِمْ فَغَلِطُوا، وَلَوْ اعْتَبَرُوا حَالَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ دُخُولِ الْجِنَانِ ، وَرِضَا الرَّحْمَنِ ، وَزَوَالِ كُلِّ مَا فِيهِ نَقْصٌ وَمَلَامٌ ، وَحُصُولِ كُلِّ مَا فِيهِ رَحْمَةٌ وَسَلَامٌ ، حَتَّى اسْتَقَرَّ بِهِمْ الْقَرَارُ {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) [الرعد : 23 - 25]}.
فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ تِلْكَ الْحَالُ ظَهَرَ فَضْلُهَا عَلَى حَالِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَإِلَّا فَهَلْ يَجُوزُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَعْتَبِرَ حَالَ أَحَدِهِمْ قَبْلَ الْكَمَالِ فِي مَقَامِ الْمَدْحِ وَالتَّفْضِيلِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ .
وَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَاعْتُبِرَ أَحَدُهُمْ وَهُوَ نُطْفَةٌ ثُمَّ عَلَقَةٌ ، ثُمَّ مُضْغَةٌ ، ثُمَّ حِينَ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ ، ثُمَّ هُوَ وَلِيدٌ ، ثُمَّ رَضِيعٌ ثُمَّ فَطِيمٌ ، إلَى أَحْوَالٍ أُخَرَ فَعَلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَمْ تَقُمْ بِهِ صِفَاتُ الْكَمَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا كَمَالَ الْمَدْحِ وَالتَّفْضِيلِ ، وَتَفْضِيلُهُ بِهَا عَلَى كُلِّ صِنْفٍ وَجِيلٍ ؛وَإِنَّمَا فَضْلُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ عِنْدَ حُصُولِ الْكَمَالِ . وَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَكْفُرْ قَطُّ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ لَيْسَ بِصَوَابِ ؛ بَلِ الِاعْتِبَارُ بِالْعَاقِبَةِ وَأَيُّهُمَا كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ فِي عَاقِبَتِهِ كَانَ أَفْضَلَ . فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بَعْدَ كُفْرِهِمْ هُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَغَيْرِ أَوْلَادِهِمْ ؛ بَلْ مَنْ عَرَفَ الشَّرَّ وَذَاقَهُ ثُمَّ عَرَفَ الْخَيْرَ وَذَاقَهُ فَقَدْ تَكُونُ مَعْرِفَتُهُ بِالْخَيْرِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِالشَّرِّ وَبُغْضُهُ لَهُ أَكْمَلَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَيَذُقْهُمَا كَمَا ذَاقَهُمَا ؛ بَلْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا الْخَيْرَ فَقَدْ يَأْتِيهِ الشَّرُّ فَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ شَرٌّ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَإِمَّا أَنْ لَا يُنْكِرَهُ كَمَا أَنْكَرَهُ الَّذِي عَرَفَهُ ..، فَإِنَّ كَمَالَ الْإِسْلَامِ هُوَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،وَمَنْ نَشَأَ فِي الْمَعْرُوفِ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ فَقَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِالْمُنْكَرِ وَضَرَرِهِ مَا عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ ،وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ الْجِهَادِ لِأَهْلِهِ مَا عِنْدَ الْخَبِيرِ بِهِمْ ؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ الْخَبِيرُ بِالشَّرِّ وَأَسْبَابِهِ إذَا كَانَ حَسَنَ الْقَصْدِ عِنْدَهُ مِنَ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَمَنْعِ أَهْلِهِ وَالْجِهَادِ لَهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَعْظَمَ إيمَانًا وَجِهَادًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَكَمَالِ مَحَبَّتِهِمْ لِلْخَيْرِ وَبُغْضِهِمْ لِلشَّرِّ، لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ حُسْنِ حَالِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقُبْحِ حَالِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ ذَاقَ الْفَقْرَ وَالْمَرَضَ وَالْخَوْفَ أَحْرَصَ عَلَى الْغِنَى وَالصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْ ذَلِكَ . وَلِهَذَا يُقَالُ : وَالضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ ..."
وسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : عَنْ صَالِحِي بَنِي آدَمَ وَالْمَلَائِكَةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟
فَأَجَابَ : بِأَنَّ صَالِحِي الْبَشَرِ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ النِّهَايَةِ وَالْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ الْبِدَايَةِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ الْآنَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مُنَزَّهُونَ عَمَّا يُلَابِسُهُ بَنُو آدَمَ مُسْتَغْرِقُونَ فِي عِبَادَةِ الرَّبِّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ الْآنَ أَكْمَلُ مِنْ أَحْوَالِ الْبَشَرِ . وَأَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَصِيرُ صَالِحُو الْبَشَرِ أَكْمَلَ مِنْ حَالِ الْمَلَائِكَةِ . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَتَبَيَّنُ سِرُّ التَّفْضِيلِ وَتَتَّفِقُ أَدِلَّةُ الْفَرِيقَيْنِ وَيُصَالَحُ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى حَقِّهِ ".
قلت : والصواب قول أهل السنة والجماعة أن خواص البشر خير من خواص الملائكة ، وعوام البشر خير من عوام الملائكة .
ومن أقوى أدلة ترجيح هذا القول ما ورد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ  الْمَغْرِبَ ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ ، وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ  مُسْرِعًا ، قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ ، قَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ : أَبْشِرُوا ، هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ ، يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ ، يَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى.
والله أعلم .
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aliman.ahlamontada.net
 
تفضيل الملائكة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مجئ الملائكة صفا صفا
» الملائكة والمؤمنون
» الملائكة تجئ بجهنم
» تنزل الملائكة يوم القيامة
» موقف الملائكة من الكافرين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العقيدة الصحيحة وما يضادها :: الإيمان :: الإيمان بالملائكة-
انتقل الى: