الملائكة والنبي محمد
أ- تهيئة النبي لاستقبال الوحي :
لقد أوكل الله سبحانه وتعالى بعبده ونبيه محمد ملائكته الكرام وعلى رأسهم جبريل عليه السلام ليحيطوه بالرعاية والعناية والحفظ والتأييد منذ صغره وحتى مفارقته للدنيا وإليك بيان ذلك .
فعندما كان غلاماً يلعب مع الصبيان في بادية بني سعد ،كما جاء في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - - أَتَاهُ جِبْرِيلُ - - وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِى طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ لأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِى مَكَانِهِ وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِى ظِئْرَهُ - فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِى صَدْرِهِ.
ولما أراد الله إكرامه بالإسراء والمعراج أجرت الملائكة له عملية أخرى في قلبه لملئه حكمة وإيمانا كما جاء عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: " فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُمَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ "
ب- ولاية جبريل والملائكة للرسول :
لقد كان لروح القدس جبريل عليه السلام وإخوانه من الملائكة الكرام عناية خاصة وعلاقة حميمة بالرسول محمد .قال تعالى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (4) سورة التحريم.
وَجَّهَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ خِطَابَهُ الكَرِيمَ إِلَى زَوْجَتي النَّبِيِّ اللَّتينِ تَظَاهَرَتَا عَلَيهِ ( وَهُمَا حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ ) فَقَالَ لَهُمَا : إِنْ تَتُوبَا مِنْ ذَنْبِكُمَا،وَتُقْلِعَا عَنْ مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ،تَكُنْ قُلُوبُكُمَا قَدْ مَالَتْ إِلَى الخَيْرِ،وَتَكُونَا قَدْ أَدَّيْتُمَا مَا يَجِبُ عَلَيْكُمَا نَحْوَ رَسُولِ اللهِ مِنْ إِجْلاَلٍ واحْتِرَامٍ،وَتَكْرِيمٍ لِمَقَامِهِ الكَرِيمِ .
ج- الوحي إليه :
أرسل الله جبريل عليه السلام بالوحي إلى عبده ونبيه محمد . قال تعالى :{ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)} [الشعراء : 192 - 196]
وإنَّ القرآنَ الذِيْ تَقَدَّمَ التَّنْوِيهُ بِهِ في أَوَّلِ السُّورَةِ { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن } أَنْزَلَهُ اللهُ ربُّ العالَمِين عليكَ يا مُحَمَّدُ،وأوْحَاهُ إِليكَ،وَهُوَ ربُّ العَالَمِين،فَخَبَرُهُ صَادِقٌ،وحُكْمُهُ نَافِذٌ .وهَذا القُرآنُ أنْزَلَهُ اللهُ تَعالى عَلَيكَ يا مُحَمَّدُ،وجَاءَكَ بهِ جِبْرِيلُ عَليهِ السَّلامُ ( الرُّوحَ الأمِينُ ) .
وهَذا القُرآنُ أنْزَلَهُ عليكَ يا مُحَمَّدُ،وتَلاهُ عليكَ الرُّوحُ الأمينُ حَتَّى وَعَيْتَهُ بِقَلْبِكَ لِتُنْذِرَ بِهِ قَوْمَكَ .
وقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعالى هَذا القرآنَ عليكَ بِلسَانٍ عَربيٍّ فَصيحٍ واضِحٍ لِيكونَ بَيِّناً واضِحاً في دَلاَلَتِهِ،قَاطِعاً لِلْعُذْرِ .
وقدْ وردَ ذِكْرُ هذَا القُرآنِ والتَّنْويهُ بهِ في كُتُب الأُوَّلينَ المَأْثُورَةِ عن أَنبيَائِهِم الَّذِينَ بَشَّرُوا بهِ في سَالِفِ الأيامِ،كَمَا أخَذَ اللهُ الميثاقَ علِيْهِمْ بأنْ يُؤْمِنُوا بِهِ .
عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِرَسُولِ اللهِ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ يَرَاهَا فِي النَّوْمِ،فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ،ثُمَّ حُبِّبَ لَهُ الْخَلاَءُ،فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ،فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعِدَّةِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ،ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ،فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا،حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ،فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ : اقْرَأْ،قَالَ رَسُولُ اللهِ : فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ،قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ،ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ لِي : اقْرَأْ،فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ،فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ،ثُمَّ أَرْسَلَنِي،فَقَالَ : اقْرَأْ،فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ،فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ،ثُمَّ أَرْسَلَنِي،فَقَالَ : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : ] حَتَّى بَلَغَ {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق : ]،قَالَ : فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ،فَقَالَ : زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي،فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ. ثُمَّ قَالَ : يَا خَدِيجَةُ مَا لِي ؟ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ : قَدْ خَشِيتُهُ عَلَيَّ،فَقَالَتْ : كَلاَّ أَبْشِرْ،فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا،إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ،وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ،وَتَحْمِلُ الْكَلَّ،وَتَقْرِي الضَّيْفَ،وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ،وَكَانَ أَخَا أَبِيهَا،وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ،فَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ أَنْ يَكْتُبَ،وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ،فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : أَيْ عَمِّ،اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ،فَقَالَ وَرَقَةُ : ابْنَ أَخِي،مَا تَرَى ؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ مَا رَأَى،فَقَالَ وَرَقَةُ : هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى،يَا لَيْتَنِي أَكُونُ فِيهَا جَذَعًا،أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : أَمُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ،لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ وَأُوذِيَ،وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ. وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا لِكَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ،فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ كَيْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ مِنْهَا تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ،فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّدُ،إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا،فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ،وَتَقَرُّ نَفْسُهُ،فَيَرْجِعُ،فَإِذَا طَالَ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ،فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ."
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - - وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْىِ فَقَالَ فِى حَدِيثِهِ « فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى . فَدَثَّرُونِى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) [المدثر : 1 - 5]) - قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ - وَهْىَ الأَوْثَانُ » .
د- كيفية إتيان الملك بالوحي للنبي :
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضى الله عنها - أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ - رضى الله عنه - سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْىُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - - « أَحْيَانًا يَأْتِينِى مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ - وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَىَّ - فَيُفْصَمُ عَنِّى وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ،وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِىَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِى فَأَعِى مَا يَقُولُ » . قَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْىُ فِى الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ،فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا .
د- تعليمه :
لقد كان جبريل عليه السلام يُعِّلمُ النبيَّ ما يحتاج إليه من زيادة وبيان وإيضاح لأمور الدين ومن ذلك إمامته له في الصلاة .ففي السنن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - - « أَمَّنِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِىَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَصَلَّى بِىَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِىَ - يَعْنِى الْمَغْرِبَ - حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِىَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى بِىَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِىَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِىَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ وَصَلَّى بِىَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِىَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلَّى بِىَ الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَىَّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ».
هـ- مدارسته القرآن الكريم :
كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى عليه وسلم القرآن الكريم في رمضان، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - - أَجْوَدَ النَّاسِ،وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ،وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ،فَلَرَسُولُ اللَّهِ - - أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ .
و- الملائكة تحمي رسول الله :
يختصُّ الله تعالى الرسل بمزيد معقباتٍ من الملائكة يحفظونهم ليتمكنوا من أداء رسالاته سبحانه،وهذا عام في جميع الرسل. كما قال تعالى : {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)} [الجن : 26 - 28]
وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي يَعْلَمُ مَا غَابَ عَنْ أَبْصَارِ خَلْقِهِ فَلَمْ يَرَوْهُ،وَلاَ يُطْلِعُ عَلَى غَيبِهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ .
إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى اللهُ تَعَالَى أَنْ يُطْلِعَهُ مِنَ الرُّسُلِ،عَلَى مَا شَاءَ مِنَ الغَيْبِ،فَإِنَّهُ يُطْلِعُهُ . وَاللهُ يَجْعَلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ رُسُلِهِ،وَمِنْ خَلْفِهِمْ،حَفَظَةً مِنَ المَلاَئِكَةِ الأَبْرَارِ يَحْفَظُونَهُمْ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيَاطِينِ،حَتَّى يُبَلِّغُوا مَا أَوْحَى اللهُ بِهِ إِلَيْهِمْ،كَمَا تَحْفَظُهُمُ المَلاَئِكَةُ مِنْ أَذَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ حَتَّى لاَ يُؤْذُوهُمْ،وَلاَ يَضُرُّوهُمْ .
وَاللهُ تَعَالَى يَحْفَظُ رُسُلَهُ لِيتَمَكَّنُوا مِنْ أَدَاءِ رِسَالاَتِهِ،وَيَحْفَظُوا مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الوَحْيِ لِيَعْلَمَ إِنْ كَانُوا قَدْ بلَّغُوا هَذِهِ الرِّسَالاَتِ؛ وَهُوَ تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ عِلْماً بِمَا عِنْدَ الرَّاصِدِ مِنَ المَلاَئِكَةِ،وَأَحْصَى مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ فَرْداً فَرْداً،فَهُوَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ،لاَ يُشَاركُهُ فِي عِلْمِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ لاَ المَلاَئِكَةُ وَلاَ غَيْرُهُمْ .
ومن حماية الله لرسوله بالملائكة ما روي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ فَقِيلَ نَعَمْ. فَقَالَ وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِى التُّرَابِ - قَالَ - فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - - وَهُوَ يُصَلِّى زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ - قَالَ - فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِى بِيَدَيْهِ - قَالَ - فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ فَقَالَ إِنَّ بَيْنِى وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - - « لَوْ دَنَا مِنِّى لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا ». قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ نَدْرِى فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ أَوْ شَىْءٌ بَلَغَهُ (كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) - يَعْنِى أَبَا جَهْلٍ - (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ) "
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ : قَالَ أَبُو جَهْلٍ : هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ،فَبِالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ،فَأَتَى رَسُولُ اللهِ وَهُوَ يُصَلِّي لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ. قَالَ : فَمَا فَجَأَهُمْ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَّقِي بِيَدِهِ،وَيَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ،فَأَتَوْهُ،فَقَالُوا : مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ : إِنَّا بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً. قَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ : {أَرَأَيْتَ الَّذِيَ يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق] إِلَى آخِرِهِ {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق]،قَالَ قَوْمُهُ : {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق] قَالَ الْمَلاَئِكَةُ : {لاَ تُطِعْهُ} [العلق]،ثُمَّ أَمَرَهُ بِمَا أَمَرَهُ مِنَ السُّجُودِ فِي آخِرِ السُّورَةِ،قَالَ : فَبَلَغَنِي عَنِ الْمُعْتَمِرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ : لَوْ دَنَا مِنِّي لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا.
وهذا جبريل وميكائيل يقاتلان عنه يوم أحد. فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ - رضى الله عنه - قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - - يَوْمَ أُحُدٍ،وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ،عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ،كَأَشَدِّ الْقِتَالِ،مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ .
وعَنْ سَعْدٍ قَالَ رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ - - وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ. يَعْنِى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.
ز- الملائكة تكشف السحر عن النبي :
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - - رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ،حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - - يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ،حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِى لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ « يَا عَائِشَةُ،أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ،أَتَانِى رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى،وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ،فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ فَقَالَ مَطْبُوبٌ . قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ . قَالَ فِى أَىِّ شَىْءٍ قَالَ فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ،وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ . قَالَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ » . فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - - فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ،أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أَسْتَخْرِجُهُ قَالَ « قَدْ عَافَانِى اللَّهُ،فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا » . فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ ..
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : سَحَرَ النَّبِيَّ يَهُودِيٌّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ حَتَّى كَانَ النَّبِيُّ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ،وَمَا يَفْعَلُهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا النَّبِيُّ ،ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ أَشَعُرْتِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ،قَدْ جَاءَنِي رَجُلاَنِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَجَلَسَ الآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ،فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : مَطْبُوبٌ،قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ : فِي أَيِّ شَيْءٍ ؟ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ. قَالَ : وَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي بِئْرِ ذِي ذَرْوَانَ. قَالَ : فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،ثُمَّ جَاءَ،فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ فَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ،وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ،فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ فَهَلاَّ أَحْرَقْتَهُ أَوْ أَخْرَجْتَهُ ؟. قَالَ : أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِيَ اللَّهُ،وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَيْئًا،فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ.
وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،قَالَتْ : سُحِرَ رَسُولَ اللهِ ،سَحَرَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ،حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ،وَلَمْ يَفْعَلْهُ،حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ،قَالَ : يَا عَائِشَةُ أَشَعُرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ،أَتَانِي مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي،وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ،فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ فَقَالَ الآخَرُ : مَطْبُوبٌ. فَقَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ : فِي أَيِّ شَيْءٍ ؟ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ : وَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. قَالَتْ : وَأَتَاهَا نَبِيُّ اللهِ فِي نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ،وَكَأَنَّ رَأْسَ نَخْلِهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ،فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ،أَفَلاَ اسْتَخْرَجْتَهَا ؟ قَالَ : قَدْ عَافَانِيَ اللَّهُ،وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ شَرًّا.( أخرجهما ابن حبان )
ح- نصر الملائكة له في غزواته
فقد نصره الله بالملائكة في غزوة بدر،قال تعالى : {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) } [الأنفال : 9 - 10] .
حِينَمَا التَقَتِ الفِئَتَانِ،المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ فِي سَاحَةِ المَعْرَكَةِ،وَجَدَ المُسْلِمُونَ المُشْرِكِينَ كَثِيرِي العَدَدِ،فَاسْتَغَاثَ الرَّسُولُ بِرَبِّهِ،وَقَالَ : اللَّهُمَّ أنْجِزْنِي وَعْدَكَ الذِي وَعَدْتَنِي . فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ . وَفِيهَا يُعْلِمُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ أَنَّهُ اسْتَجَابَ لِدُعَائِهِ وَدُعَاءِ المُسْلِمِينَ،وَأَنَّهُ سَيَمُدُّهُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ يَأْتُونَهُمْ مَدَداً يُرْدِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً،أَيْ يَأتي بَعْضُهُمْ إِثْرَ بَعْضٍ .
وَيَذْكُرُ تَعَالَى : أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ إِرْسَالَ المَلاَئِكَةِ لإِمْدَادِ المُسْلِمِينَ فِي بَدْرٍ إلاَّ بُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ،وَتَطْمِيناً لِقُلُوبِهِمْ،بِأنَّهُمْ سَيَنْتَصِرُونَ،وَتَثْبِيتاً لأَقْدَامِهِمْ أَثْنَاءَ القِتَالِ،لأنَّهُ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِهِمْ بِدُونِ ذَلِكَ،لأنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَحْدَهُ،فَهُوَ العَزِيزُ الجَانِبِ،الحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ .
وأيده بالملائكة في غزوة الأحزاب كما قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) } [الأحزاب : 9].
بَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللهُ تَعَالى عِبَادَهُ بِتَقْوَاهُ،وَبِعَدَمِ الخَوْفِ مِنْ سِوَاهُ،ذَكَّرَ عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيِْهِمْ مِنْ نِعَمٍ،وَمِنْ تَحْقِيقِ مَا وَعَدَهُمْ بهِ مِنْ نَصْرٍ،وَذَلِكَ حِينَمَا جَاءَتْهُمْ جُنُودُ الأَحْزَابِ،فَأْرْسَلَ اللهُ عَلَيهِمْ رِيحاً كَفَأَتْ قُدُورَهُمْ،واقْتَلَعَتْ خِيَامَهُمْ،وأَرْسَلَ إِليهِمْ مَلائِكَةً مِنْ عِنْدِهِ - وَهُمْ جُنُودُهُ،وَلَمْ يَرَهُمْ المُسْلِمُونَ - يُوقِعُونَ الخَوْفَ والرُّعْبَ والخِذْلاَنَ في نُفُوسِ المُشْرِكينَ،فَارْتَحلُوا فِي ليلةٍ شَاتِيةٍ شَديدَةِ البَرْدِ،وَكَانَ اللهُ بَصِيراً بِأَعْمَالِ المُؤْمِنينَ،وَصِدْقِ نِيَّاتِهِمْ،فَتَوَلَّى الدِفاعَ عَنْهُمْ .
وأيده كذلك بالملائكة عند ذهابه لغزة بني قريظة،عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِى زُقَاقِ بَنِى غَنْمٍ مَوْكِبِ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ - - إِلَى بَنِى قُرَيْظَةَ .
وأيده كذلك بالملائكة في غزوة حنين،كما قال تعالى في ذكر غزوة حنين : {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) سورة التوبة
يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ إِذَا لَمْ تَنْصُرُوا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّ اللهَ نَاصِرُهُ وَمُؤَيِّدُهُ وَكَافِيهِ،كَمَا تَوَلَّى نَصْرَهُ حِينَ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَكَّةَ حِينَ هَاجِرَ،فَخَرَجَ مِنْهَا هَارِباً بِصُحْبَةِ صَدِيقِهِ وَصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ،فَلَجَأَ إلَى غَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ،وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ فِي آثَارِهِمَا حَتَّى وَقَفُوا بِبَابِ الغَارِ،فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ جَزِعاً : لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ لَرَآنَا . فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ : مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ طُمَأْنِينَتَهُ وَتَأْيِيدَهُ وَنَصْرَهُ عَلَى رَسُولِهِ،وَأَيَّدَهُ بِالمَلاَئِكَةِ تَحْفَظَهُ وَتَحْمِيهِ ( بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا )،وَجَعَلَ كَلِمَةَ الشِّرْكِ وَأَهْلَهُ السُّفْلَى،وَجَعَلَ كَلِمَةَ الإِيمَانِ ( لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ ) هِيَ الْعُلْيَا،وَاللهُ عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ وَانْتِصَارِهِ،وَهُوَ مَنِيعُ الْجَانِبِ لاَ يُضَامُ،وَهُوَ حَكِيمٌ فِي شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ .
ط- رقية جبريل للرسول :
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِىَّ - - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ « نَعَمْ ». قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ. الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود