ثمرات الإيمان بالملائكة
الإيمان بالملائكة له أثر عظيم في حياة الإنسان فإذا شعر الإنسان بذلك فإنه يتحفّظ، وإذا عرف أنه موكّل به ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار، فإنه يتحفّظ أن يكتبوا عليه شيئًا لا يليق به، فلو درى أن هناك مباحث تتابعه، ألا يتحفظ خشية أن يمسكوا عليه كلامًا أو فعلاً يتضرر بعاقبته؟!
إذن كيف لا يتحفظ من الملائكة وهو لا يراهم؟! البشر تراهم، الذي يراقبك تأخذ حذرك منه.. لكن الملائكة تراك ولا تراها.. البشر ممكن أن تتحصن منهم، قد تدخل البيت أو تغلق على نفسك مكانًا ولا يدرون عنك، لكن الملائكة يدخلون معك في كل مكان، أعطاهم الله عزّ وجل القدرة في أن يصلوا إلى أي مكان أمرهم الله بالوصول إليه، ولهذا نبّهنا فقال الله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10-12]. قالها الله - عزّ وجلّ - لنتنبّه.
وهذه ثمرة الإيمان بالملائكة أنّ الإنسان يحصّن نفسه من الأقوال والأعمال السيئة التي تُكتَب عليه، ويحاسب عنها يوم القيامة.
فالله -عز وجل- لم يطلع الناس على شيء من غيبه إلا وكان فيه نعمة عظيمة لهم، ومن فضل الله علينا أن ْ عَرَّفَنَا بهذه المخلوقات الكريمة. وجعل الإيمان بها من الإيمان بالغيبِ الذي يعد أول صفة للمتقين. قال تعالى: { الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) } [البقرة: 1-3] .
ومن هذه الثمرات :
1. وقوف المؤمن على عظيم قدرة الله تعالى،وذلك واضح في عظم خلق الملائكة.
2- اطمئنان المؤمن إلى أنه محاطٌ برعاية الله تعالى له، بهؤلاء الخلق العظام الذين يرعون شؤونه، ويسيرون كثيرا من شؤون الكون بإذن الله تعالى.
3- حثُّ المؤمن على العمل الصالح وزجره عن السيئات، حيث أن الملائكة يترصدون جميع أعماله ويسجلونها عليه.
4- إغلاقُ باب الخرافة والتخيلاتِ الباطلة والاعتقاد الزائف في الملائكة،وذلك ببيان الحقِّ في شأنهم،وتوضيح ما يخص البشر وينفعهم العلم به من أمر الملائكة.
5 - أنْ تتطهر عقيدة المسلم من شوائب الشركِ وأدرانه،لأنَّ المسلم إذا آمن بوجود الملائكة الذين كلفهم الله بهذه الأعمال العظيمة تخلَّص من الاعتقاد بوجود مخلوقات وهميةٍ تسهمُ في تسيير أمور ِ الكون .
6 – أنْ يعلم المسلم أن الملائكة لا ينفعونَ ولا يضرون،وإنما هم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم،ويفعلون ما يؤمرون ،قال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) [الأنبياء/26-30] } فلا يعبدهم ولا يتوجه إليهم،ولا يتعلقُ بهم .
7- شكرُ الله تعالى على لطفه وعنايته بعباده، حيث وكَّلَ بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم وغير ذلك، مما تتحقق به مصالحهم في الدنيا والآخرة .
8- محبةُ الملائكة على ما هداهم الله إليه، من تحقيق عبادة الله على الوجه الأكمل ونصرتهم للمؤمنين واستغفارهم لهم .قال تعالى : {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (12) سورة الأنفال ،وقال تعالى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (9) سورة غافر7-9
9- الاستقامةُ على أمر الله عز وجل: فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له،ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله وشهادتهم على كل ما يصدر عنه، ليستحي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر ولا يعصيه في العلانية أو في السرِّ، فكيف يعصى الله مَنْ علم أن كل شيء محسوبٌ ومكتوبٌ؟
10- الطمأنينةُ: فالمسلمُ مطمئن إلى حماية الله له، فقد جعل الله عليه حافظًا يحفظه من الجن والشياطين ومن كل شرٍّ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ...} (11) سورة الرعد .
11- حبُّ الله عز وجل: فالمسلم عندما يؤمن بالملائكة وأعمالهم ويرى كيف أن الله -عز وجل- وكَّل ملائكة بالسماء، وملائكة بالأرض، وملائكة بالجبال، وملائكة بالسحاب .. إلخ وكل ذلك من أجل الإنسان وراحته يتوجه إلى الله بالشكر فتزداد محبة الله في قلبه ويعمل على طاعته. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - -قَالَ « يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ،وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ،ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ،فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ،وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ » .(أخرجه البخاري )
12- الصبر على طاعة الله: ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الصبر، ومواصلة الجهاد في سبيل الله، وعدم اليأس والشعور بالأنس والطمأنينة، فعندما يصبح المؤمن غريبًا في وطنه وبين أهله وقومه حينما يدعوهم إلى الله ويجد منهم الصدَّ والاستهزاء يجد المؤمن من ملائكة الله أنيسًا ورفيقًا يصحبه ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير في طريق الهدى، لأن جنود الله معه، يعبدون الله كما يعبد المؤمن ربه، ويتجهون إلى خالق السموات والأرض كما يتجه، فيشعر بأنه لا يسير وحده إلى الله دائمًا بل يسير مع موكب إيمانى مع الملائكة ومع الأنبياء عليهم السلام، ومع السماوات والأرض وباقى مخلوقات الله التي تسبح بحمده.
13- اليقين التام بأن الإنسان لا يستطيع أن يحيط بعلمه بما حوله لأنه لم يستطع الإدراك بوجود عالم من الملائكة وبأنهم معه منذ نفخ فيه الروح إلى أن يموت.
14-بيان عظمة الله وقدرته في التشكيل والخلق ووضع القوانين التي تمكن العباد من التعايش كل في عالمه بدون التصادم و الإضطراب لتداخل العوالم مع بعضها بالكامل.
15 -الإستحياء من معصية الخالق بوجود الملائكة الذين لم ولن يعصوا الله سبحانه.
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود